• موضة زواج القاصرات من كبار السن.. استغلال غير مشروع أو حلم بالاستقرار؟

    صورة تعبيرية




    لم يكن عمرها قد تجاوز الأربعة عشر عاما حين ارتبطت بزوج يبلغ التاسعة والثلاثين. "لم تكن مواصفات أو عمر زوجي المستقبلي فكرة في بالي إطلاقا" تقول أم عبدالله، "لكن هذا يعتمد على النصيب وليس بيد أحد". تبلغ أم عبدالله الآن ثمانية وعشرين عاما، ولها أربعة أطفال من زوجها ذي ال٥٤ عاما.

    قصة أم عبدالله ليست جديدة على المجتمعات العربية، فقد وجدت حالات يرتبط فيها زوجان يفوق الفرق في العمر بينهما الثلاثين والأربعين وحتى الخمسين عاما. أحيانا لا يكون للقاصر، مثل حالة أم عبدالله، رأي بخصوص سن الزوج منذ البداية، وأحيانا نجد أباء يجبرون بناتهن على الزواج من رجال يفوقونهن سنا. لكن في وقتنا الحالي، ومع تغير الكثير من العوامل في المجتمع مثل الغلاء والبطالة وارتفاع نسبة العنوسة وسن الزواج، أصبحنا نرى فتيات لم يتممن عقدهن الثاني من العمر يتهافتن للزواج من رجال في أعمار آبائهن، وأحيانا، أعمار أجدادهن.

    دوافع استغلالية
    ذهبنا للبحث عن أجوبة حول سبب سعي بعض الفتيات وراء الزواج من رجال من كبار السن، وقابلنا في أروقة الجامعات العديد من الشابات اللاتي عبرن عن آرائهن بخصوص هذه القضية. كلهن أجمعن على أن الفتيات ممن يقصدن الزواج من رجال كبار في السن يعانون من نقص ويسعون لسده مع هذا الشريك المسن. فتتفق الفتيات على أن الكثير من المراهقات يعتقدن أن الزواج من رجل كبير في السن سيؤمن لهن كل ما هن بحاجة له ماديا، حيث سيكون مستعدا للزواج منهن دون الحاجة لتأسيس نفسهن من القاع مع شاب صغير لن يتمكن من الزواج بشكل مباشر.

    ومن جهة ثانية، تقول طالبة العلوم الصحية عباهر عمر "البنت ممكن أن تكون متعلقة بوالدها كثيرا لدرجة أنها تتطلع لحنان الأب في رجل يشبه أباها حينما تريد البحث عن شريك حياتها، خوفا من أن تقع في شباك شاب صغير قد يكون طائشا أو أنانيا".

    أما الطالبة وفاء يوسف تقول، "هناك فتيات يذهبن للزواج من أي أحد يتقدم لهن هربا من بيت الأهل خصوصا إذا كنّ يعانين من الكبت وفقدان الحرية، فتفكر بعض الفتيات أنهن إذا تزوجن رجلا كبيرا لن يضييق على حرييتهن كثيرا". وفي رأي مشابه، تقول عباهر "للأسف، الكثير من هذه الزيجات تحصل مع فتيات وصلن لسن مثل ال25 سنة ولم يتزوجن، وعلى الرغم من أنهن متعلمات ولا يفتقرن للمواصفات التي تجعلهن فرصة لأي زوج، تجدهن يهلعن من شبح العنوسة ليقبلن بالزواج من أي رجل يتقدم لخطبتهن، حتى لو كانوا رجالا كبارا في السن. ومن الأولى أن تقوم تلك الفتيات بالتركيز على أنفسهن وتعليمهن وأهدافهن إلى حين يأتي نصيبهن الذي يسعدهن."

    وتضيف الطالبة هبة نبيل "انتشرت هذه الظاهرة كثيرا في ظل الأزمات التي تحصل في دول العالم العربي، فهناك دول تهجّر أهلها وأصبحنا نرى الكثير من الفتيات يتزوجن رجالا يكبرونهم في السن كثيرا فقط كي يجدوا من ينقذهن من ويلات التهجر واللجوء".

    وفي مقابلة مع د. أحمد العموش، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية والإجتماعية في جامعة الشارقة، شرح إقبال عدد متزايد من المراهقات للزواج من رجال في الخمسينات والستينات بقوله "لم يعد مفهوم الزواج بالمعنى القيمي كالسابق بهدف الإنجاب وتكوين الأسرة. فنشهد في عالمنا العربي فتيات يتزوجن برجال ستينيين مثلا، لكن إذا نظرنا إلى خصائص هذا الرجل الستيني تجد أنه مقتدر ماديا، فتفضله لأنها لا تريد أن تصارع في الحياة من جديد وتكافح وتناضل مع شاب صغير".

    نظرة الدين
    يقول د. أحمد الحداد، كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، "ترك الشارع الحكيم للناس اختيار الزوج بحسب ما تقتضيه الحاجة والمصلحة، فمتى ما قصدها أحدهما ووجد القبول من الآخر صح النكاح إذا تم بشروطه وأركانه، فقد تكون المرأة قاصرة والزوج كبيرا أو العكس، فإذا رضيت المرأة ذلك كان رضاها معتبرا، فإنها ما تقدم عليه إلا لمصلحة تراها، والشارع لم يمنع ذلك إذا كان برضى وليها وإيجابه، حتى وإن كانت صغيرة، لأنه ما يقدم على ذلك إلا لمصلحتها. فقد يكون من مصلحتها أن تزوج لرجل كبير إذا كانت له حاجة بالزواج، ولها حاجة بالإنفاق والرعاية، إذ قد تضيع في المجتمع فتكون فريسة للأطماع بفعل الحاجة وعدم الحماية، والنكاح يحقق لها في هذه الحالة بعض المقاصد".

    هل من الممكن أن تنجح هكذا علاقة؟
    يقول د.أحمد العموش تعليقا على الزيجات التي تتم لأجل مصالح مادية أو غيرها "لا أعتقد أن هكذا علاقة تتمتع بالديمومة، أو أنها مبنية على الحب، فدائما فيها منفعة، أو أنها تظهر احب لكن لا تبطنه. وبعد أن تتحقق رغبات الإنسان من هكذا ارتباط، تصل هذه الزيجات إلى مرحلة فشل في المستقبل. هناك الكثير من الحالات من الطرفين تفتقر للانسجام، فمن الممكن للشخص أن يشبع رغباته المادية لكنه لم يشبع رغباته العاطفية والنفسية. لذلك دائما سيعود الشخص للرغبة في الارتبط بمن يناسبه في الأفكار والسن."

    ويضيف د. أحمد "الخطورة في هذه الظاهرة تحصل إذا تم إنجاب اطفال، خصوصا إذا تم لاحقا أي تفكك أسري أو طلاق، أو موت أحد الزوجين الكبار في السن، مما يؤثر سلبا على الاطفال “.

    وفي العودة للطالبات الجامعيات، تقول هند هاشم، طالبة جامعية متزوجة من رجل يكبرها بأقل من سنتين، "عندما تقوم فتاة بالزواج بسن صغيرة جدا، ممكن عندما تصل لمرحلة الثلاثينات من العمر ستتغير نظرتها للزواج وتتغير أولوياتها، وإذا كان لها الخيار في الزواج مرة ثانية يمكن أن يكون رأيها تغيير في زوجها. لهذا على الفتاة أن تصل لعمر تكون فيه ناضجة بما فيه الكفاية كي تعلم كيف تختار. لا يجب أن يحكم اندفاع أو أحلام الفتاة اختيارها للزوج دون تحكيم العقل، لأن الشخص الذي تختارينه سيكون شريكك لعمر كامل، والزواج ليس فقط فستان وحفلة وليلة واحدة."وتضيف "أنا برأيي علاقة تجمع زوجين من جيلين مختلفين ومن أجل مصالح مادية لن توفر الاستقرار الاجتماعي أو السعادة، فبعد أن تشبع الفتاة رغباتها المادية، ستبدأ بالبحث عن شاب ليشبع رغباتها من الحب والاهتمام، وقد تشعر بالحسد من صديقاتها ممن تزوجن برجال من جيلهن."

    أما أم عبدالله، فتختلف مع الآراء السابقة من جهة وتتفق معها من جهة أخرى، فتقول "الحمدلله لم يكن هناك أي اختلاف أو مشاكل بسبب سوء الفهم بيني وبين زوجي نظرا للفجوة الكبيرة في السن بيننا، ولازال بيننا بعد 14 عاما الكلام الجميل والتفاهم على الأبناء، ودائما نتخذ القرارات بناء على تفاهم مشترك دون فرض الآراء، وطبعا الحياة لا تخلو من المشاكل أو الاختلافات بين وقت وآخر، فتختلف قدرة الفتاة في التعامل مع زوج كبير عنها حسب تربيتها وشخصيتها. " وتضيف "هناك الكثير من الزيجات تحصل بين شباب وفتيات في مقتبل العمر لكن تجدين الاندفاع والعصبية في هذا الجيل الصغير تدفع الأزواج من الشباب إلى أن يفكروا في الطلاق بسهولة بعد أبسط خلاف، أما أنا الطلاق غير موجود في قاموسي. كما أنني أعلم الكثير من الفتيات اللاتي تزوجن شبابا صغارا في السن لكنهن يفتقرن لحنان الزوج والكلمة الحلوة، لكنني ولله الحمد أخذت حقي كاملا من زوجي".

    لكنها من جهة أخرى تضيف "بخصوص رغبة بعض البنات الزواج من رجال يكبرونهن في السن كثيرا، فنجاح هكذا علاقة يعتمد على الفتاة ونيتها، فهل نيتها هي إنجاب أطفال وتكوين عائلة سعيدة؟ أم هي الأموال والاستقرار والأطماع المادية.؟ فالتي تفكر في المادة مائة بالمائة ستفشل حياتها من أول سنة. وبرأيي٨٠٪ من اللاتي يفكرن في الزواج من رجال كبار في السن يسعون وراء رغبات مادية. لكن في الواقع، الزواج من رجل كبير ومستقر ماديا هو غير تماما عما يرسمه الأشخاص في أذهانهم، فبعد إنجاب الأطفال سيتغير طريقة تفكير الأم التي ستبدأ بالقلق على مستقبل أبنائهم الذين قد يفقدوا والدهم في سن صغير، فتبدأ المرأة بالتفكير بطريقة حماية نفسها وأطفالها في حال فقدت زوجها".

    نظرة المجتمع إلى الزوجة الثانيةتقول أم عبدالله "من تريد الزواج برجل خمسيني أو ستيني فهي على الأغلب ستكون الزوجة الثانية أو الثالثة. وللأسف المجتمع دائما يظلم الزوجة الثانية ويطلق عليها أحكاما سلبية، خصوصا إذا كان الفرق بينها وبين زوجها كبيرا. فيرى المجتمع دائما أنه يستحيل أن تكون صادقة ومخلصة في مشاعرها تجاه زوجها، وعلى أنها لعوبة وغير وفية، وهذه أكبر كذبة موجدة بيننا للأسف. ثانيا، تتهم الزوجة الثانية غالبا بأنها سوف تستغل زوجها و"تخطفه" من زوجته الأولى وأولاده، لكنني أؤكد لك بأن الزوجة الثانية تواجهها تحديات وصعوبات أكثر بكثير من الأولى، لأن الأولى عاشت مع زوجها فترة طويلة دون أن تشاركها فيه أخرى، اما الثانية لن تحمل فقط هم زوجها، بل أيضا لديها هم زوجته الأولى وأولاد وبنات زوجها والأهل. كما أن الثانية تواجه الاتهام مباشرة بأنها ستجعل زوجها يظلم الأولى. لكن هذه بالنهاية أقدارلا يعلم بها غير الله وليست باختيار أي شخص. وأنا من حسن حظي كنت على تفاهم مع زوجة زوجي الأولى، فنحن مثل الأخوات".
    Facebook Comments Plugin Enhanced by Egypts secrets
  • Copyright @ 2013 أسرار مصر.